المعلوماتية والتعليم

المعلوماتية والتعليم

عالم جديد ذلك الذي يحيط بنا الآن من كل اتجاه، يدفعنا لمزيد من التعلم.. لا نستطيع الهروب منه أو الابتعاد عنه.. فكل مبررات أو تبريرات الاستغناء عنه مرفوضة وعواقبها أيضا وخيمة. لا يمكننا الآن أن نتعلم بكفاءة بعيدا عن (تكنولوجيا التعلم العصرية) بكل منافعها وفوائدها الجديدة وبكل الآثار المترتبة على تقدمها المتسارع المذهل. لذلك فإن الخطوة الانتقالية العملاقة التي اتخذت بإنشاء جامعة للتعلم عن بعد تعد نقطة تحول حتمية بالاتجاه الصحيح تليق بمصر وطموحاتها في بناء مستقبل مزدهر، لقد راهن بل جيتس على أن القرن الذي نعيشه الآن هو (قرن التعلم) بعدما وفرت التكنولوجيا لنا كل آليات نقل المعرفة ووفرت كذلك كثيرا من الوقت الذي كان يمضيه بحثا عن (المعلومة) أو (المعرفة).
إن إنشاء جامعة للتعلم عن بعد يجب أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون، فهناك العديد من المواقع الشهيرة على شبكة المعلومات التي توفر للمخططين ومتخذي القرارات ما يحتاجونه من معلومات/ تصورات وخطط عمل وقواعد بيانات لتحويل هذا المشروع من رؤية إلى واقع ملموس. فالجامعة الافتراضية وكذلك المدارس الفضائية ومواقع عديدة أخرى تقوم على تكنولوجيا (التعلم المستمر On Line Learning) هذا بالإضافة إلى العديد من المراجع والمواقع والمقالات والمؤتمرات التي تناولت ذلك المجال الحيوي الذي يطلق عليه إجمالا Teleeducation التعليم عن بعد Distance Education أو التعليم الإليكتروني.
أن هذا التحول الهام سيتيح لمصر بمختلف عناصر التعليم بها ولقيادتها من مختلف الأعمال والمستويات والتخصصات التواصل المستمر مع العلم والمعرفة في (الوقت الذي يحددونه و) بالطريقة (التي يفضلونها، دون انتظار) أو (انتقال) لمكان التعليم.
إن التعلم عن بعد يعتمد أساسا على ثلاث ركائز رئيسية:
أولا: ذاتية التعلم: فالمتعلم يحصل على ما يريد من علم ومعرفة ويتعلم بالطريقة الملائمة له، وله دور تفاعلي رئيسي وشريك أساسي في عملية التعليم وليس فقط متلقي أو تابع كما يحدث بالأنظمة التقليدية للتعليم. فطبيعة العلاقة بين الطرفين قد أصبحت عن بعد يلعب كل طرف فيها دورا له نفس الأهمية والاعتبار في نجاح العملية التعليمية؟
ثانيا: حرية الاختيار: حيث يتيح التعلم عن بعد بدائل متنوعة أمام المتعلم والمعلم Instructor لإتمام العملية التعليمية وتحقيق هدفها النهائي. فهو يتيح لهما قدرا هاما من حرية الاختيار ما بين أن يعمل كل منهما بمفرده أو أن يعملا معا وفي نفس الوقت بصورة تفاعلية.
ثالثا: تنوع الأساليب: فالتكنولوجيا العصرية في تصميم الشبكات والمواقع والجامعات الافتراضية تتيح للمعلم أن يستخدم العديد من أساليب العرض والتقديم بما يمكنه من تنشيط حواس المتعلم وعدم الاعتماد على حاسة واحدة.
نحن في حقيقة الأمر أمام ثورة هائلة في التعلم تختزل الزمن وتسقط الحواجز وتزيل هذا الوهم الأبدي بضرورة (الذهاب) إلى موقع التعلم (جامعة كانت أو مدرسة) حتى نتعلم أن نظريات تعليم الكبار، تقوم على مبدأ تعليمي هام في هذا الصدد يؤكد أنه لا حاجة للمتعلم أن يذهب إلى المادة التعليمية أو مكان التعليم ما دام بالإمكان نقل المادة التعليمية أو مكان التعليم إليه.
وهو ما حدث بالفعل بالجامعات الافتراضية والمدارس الفضائية المنتشرة بمواقع الإنترنت العالمية.
إن هذا المشروع القومي الهام الذي بدأ به في البدء الرئيس مبارك، يجب اعتباره بمثابة مشروع العقد الأول من هذا القرن ليصبح التعليم عن بعد بنهايته هو سمة التعليم المصري ويصبح كذلك حجر الزاوية في الارتقاء بما يتيحه لنا من التواصل المستمر مع مصادر المعرفة والتعلم الإقليمية والعالمية على مدار العمر.
يقول الرسول صلي الله عليه وسلم ((أطلبو العلم من المهد إلى اللحد)).
إن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى الاهتمام بعدة جوانب رئيسية نوجزها فيما يلي:
1- بما أن التعليم عن بعد يعد صناعة متقدمة متخصصة متنامية، فإن الأمر يستلزم توافر آليات التواصل مع ما يحدث بها بالخارج من تطور حتى يأتي النموذج المصري للتعليم عن بعد (أقرب ما يمكن لأحدث ما يكون) ويمتلك بداخله آلية التطوير الذاتي لتصبح جزءا متكاملا عن مكوناته وخصائصه حتى لا يتحول بمرور الوقت إلى نظام (قديم/ بطيء/ معقد/ مكلف/ شكلي/ عقيم).
2- إن انتشار هذا النوع من التعليم والاقتناع به يحتاج إلى وضع خطة متكاملة للتهيئة والدعوة القومية تبدأ من مدارسنا لتهيئ المعلمين والطلاب إلى مزايا هذا النوع من التعليم. وهو ما قد يستلزم تعديل بعض المناهج بالمدارس والجامعات لتتضمن إضافة هذا الجزء الحيوي عن التعليم المفتوح Open Learning أو التعليم عن بعد Teleeducation فضلا عن تخصيص قنوات فضائية أو ملتقيات دورية لتغطية هذا المجال.
3- إعداد خطة تدريبية لتخريج كوادر علمية متخصصة بمختلف مجالات التعليم عن بعد وهي عديدة ومنها على سبيل المثال مدير المشروع، مدير الشبكة، مصمم برامج، مخطط فني، مبرمج، خبير وسائط متعددة، مخرج فني،.. الخ. حيث أنه لا يمكن ضمان التأكد من بقاء ونمو هذه المشروعات المعقدة في دائرة الضوء والاهتمام دون أن يتوفر لها قاعدة بشرية مؤهلة في مجال الاختصاص، ولهذا السبب أنشئت العديد من المعاهد التدريبية العالمية التي أفردت برامج متنوعة لإدارة هذا النشاط وشعار هذه الجهات أو المعاهد أنه طالما أصبح لدينا بريد إليكتروني، وتجارة إليكترونية، فلماذا لا يصبح التعليم كذلك إليكترونيا E. Education.
4- تقديم الدعم الهائل والحيوي لمصادر وشركات وموردي تكنولوجيا التعليم وأساليب الاتصال وتوفير مزايا عينية ومادية هامة لطالب التعليم وتطوير شبكات الاتصال بما يضمن تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
توفير أجهزة حاسبات آلية شخصية بمقابل رمزي أوv مجانا.
توفير الاتصال بهذه الشبكات دون مقابل أو بأسعار رمزية تشجيعا للطلابv ولهيئات التدريس على المبادرة باستخدامها.
توفير مراكز جماعية للتعليم الفوري،v بما ييسر على طالب التعلم الحصول على ما يرده بمنزله أو خارجه.
5- خلق بيئة مهنية مشجعة وداعمة للتعلم عن بعد بالسماح بإنشاء جامعات أهلية ومعاهد تدريب لأخصائي التعلم المتواصل وتشجيع مؤلفي الكتب والمناهج ودعوتهم لتصميم المواد والبرامج التعليمية باستخدام تكنولوجيا التعلم الجديدة.
إن التعليم عن بعد بالجامعات يمكن أن يمتد إلى المدارس أيضا، فإلى جانب ما يجري الآن من العمل على توفير وبناء المدارس وطباعة الكتب وتعيين مدرسين فهناك حاجة مماثلة لبناء قواعد معلومات ومدارس افتراضية فضائية وإنشاء مراكز للتعليم الثانوي والإعدادي عن بعد وكذلك تدريب المعلمين على التكنولوجيا العصرية أيضا عن بعد. إن توفير ذلك سيمكن من يرغب في التعلم من التعلم بموقعه وفي الوقت الذي يريده وبالتكرارية التي يرغبها وعندئذ فقط سيصبح التعلم مفتوحا، حرا، متواصلات وحقا للجميع.
إن كانت النقود قد أوشكت على الاختفاء من التعاملات اليومية الرئيسية مع المتاجر والفنادق وحلت محلها البطاقات البلاستيكية التي هي الأخرى على وشك الاختفاء ليحل محلها البصمة (للعين/ الصوت/ اليد) إن كانت الإدارة بالأوراق والبريد والمطبوعات الورقية قد أوشكت على الاختفاء ليحل محلها الإدارة غير الورقية والبريد الإليكتروني ومواقع الإنترنت للأفراد والشركات، فإن التعليم التقليدي بالقاعات والمدرجات والمدارس، ولجان الامتحانات بالخيم وأطنان الكتب الجامعية وأحمال الأطفال الثقيلة قد أوشكت جميعها على أن تصبح صورة من صور (أيام زمان) بعد ما صار (التعليم عن بعد) يطرق أبوابنا بشدة وسمحنا له بالدخول تقديرا واعتزازا وحاجة وما بعد ما أصبح أهم ما نتصور كضرورة من ضرورات التقدم والنمو بلا حدود وأقرب مما نتخيل كواقع علينا أن نتعامل معه كحقيقة وأكثر مما نعتقد من حيث الانتشار بالدول المتقدمة